لو تحدث الناس فقط فيما يعلمون .. لساد الصمت العالم "برنارشو"

الجمعة، 26 مارس 2010

الصوت .. والصورة !!

هل يدل صوت الإنسان على شكله دائما ؟

هل يوجد توافق بين الصوت والصورة ؟

أنا من المتابعين – ومنذ زمن بعيذ – لإذاعة بي بي سي العربية ..

ومن كثرة متابعتي أصبحت أعرف أسماء المذيعين والمذيعات

بمجرد سماع الصوت .

وبتكرار الإستماع فإن صورة معينة إرتسمت لكل واحد منهم

ولكل واحدة منهن .

لم أتعمد رسم هذه الصورة لكنها إنطبعت في ذهني عن غير

قصد .

فعلى سبيل المثال حين أستمع إلى أحد المذيعن المتميزين من

ذوي الصوت الرخيم فإنني أتخيله جاد الملامح قوي القسمات

وربما تخيلته وقد تسلل الشيب إلى رأسه ..

وحين أستمع إلي صوت جميل رقيق لإحدى المذيعات أراها في

مخيلتي جميلة الوجه حسنة الطالع .

غير أن كثيرا من هذه التوقعات لم تكن صحيحة !

فبعد إنطلاق البث باللغة العربية لتلفزيون بي بي سي وبعد أن بدأ

بعض هؤلاء المذيعين والمذيعات يظهرون فقد إكتشفت أن كثيرا

مما تخيلته لم يكن صحيحا ..

فالمذيع الذي كنت أتخيله كثيف الشعر بدا أصلعا

ومن كنت أظنه ممتلئ البدن وجدته نحيفا رغم ضخامة صوته .

غير أن أكثر ما لفت نظري هو تلك المذيعة صاحبة الصوت

رائع الحمال والرقة والتي كنت أظنها تحمل نفس جمال الصوت في

في ملامح وجهها لكنها لم تكن كذلك أبدا .

لا يقلل هذا بالطبع من كفاءتها وشخصيتها وجاذبيتها فالجمال هو

جمال الروح والأخلاق ..

لكن ذلك دعاني إلى أن أتأمل هؤلاء الشباب وأولئك الفتيات الذين

يقضون الساعات بل والشهور وأحيانا السنوات على الشات الغير

مرئي يتبادلون التواصل الذي يصل أحيانا إلى الحب والغرام ..

ربما إرتسمت في ذهن كل منهم صورة للآخر لكنها ليست

بالضرورة صورة حقيقية .

إن الصوت شئ والصورة شئ آخر ..

وأهم منهما بالطبع هما الشخصية والخلق الرفيع .

الخميس، 18 مارس 2010

القيود في اليدين .. لكن العقل حر !

لم يلفت نظري في قصة "عم أحمد" – ذلك الرجل ذو قسمات الوجه الطيبة – من صعيد مصر والذي تزوج بعد أن بلغ من العمر ثلاثة أعوام بعد المائة سوى أنها قصة طريفة تناقلتها الفضائيات وتفاعل معها الناس بما تمثله من أمل في الحياة ..

لكن الذي لفت نظري بل وإستوقفني حقيقة هي قصة ذلك الرجل – من نبت هذة الأرض الطيبة – الذي حصل على الكتوراة بعد أن ناهز الرابعة والتسعين من العمر ..

لم يحظ الرجل بهذه الضجة الإعلا مية التي نالها عم أحمد ولم تنشر الخبر سوى جريدة واحدة في خمسة أسطر مع صورة صغيرة .

أي إرادة حديدية هذة وأية مثابرة وأي طموح ؟

أي نفس صافية قوية تلك التي تجعل رجلا في عمره يجلس ليناقشه أساتذة في عمر أبنائه أو ربما أحفاده ؟

لم يقل الرجل لقد كبرت وإنما إتبع قول الرسول عليه الصلاة والسلام أن إطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ..

لم يقل الرجل .. ماذا ستفيدني الدكتوراة وقد بلغت من العمر أرذله ؟ وكم بقي لي من السنين حتى أجني ثمرتها ؟

لم يردد الرجل الكلمات الشائعة في الموروث المصري مثل " إحنا حناخذ زمننا وزمن غيرنا ؟ .. أو ياللا حسن الختام .. أو بعد ماشاب ودوه الكتاب" .

لم يلتفت هذا الشيخ المسن لكل ذلك ولم ينظر خلفه بل تطلع للأمام ..

نهل من المراجع وكتب ونقح وراجع و إستمر على ذللك سنينا حتى حصل على أعلى درجة علمية .

إنه درس في الإرادة لشباب يقضون يومهم علي المقاهي يلعنون الزمن ..

إنه درس في الأمل الذي يدفع صاحبه إلى العمل ..

إنه درس في الطموح يتركه هذا الرجل لأحفاد سوف يفتخرون بجدهم .

سعدت وأنا أرى صورته بعد أن حصل على الدكتوراة باسم الوجه يمشي مستندا على أحفاده .

ألف مبروك له

وربنا يعينك يا عم أحمد !

تنويه واجب :

كان عنوان هذة الرسالة هو " الأمل .. والإرادة " .

لكنني علمت – وأنا أشرع في نقلها من الورق إلى الكمبيوتر – علمت بحصول المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي على درجة الدكتوراة وهو في الأسر ..

وتحية لصموده وإرادته وإصراره وعزيمته فقد قمت بتغيير عنوان الرسالة إلى "القيود في اليدين .. لكن العقل حر "

السبت، 13 مارس 2010

زمن .. تولى وإندثر !!

أنا – بتواضع شديد – ضد المقولات التي يرددها الكثيرون أنه من الصعب أن يتكرر وجود :

أم كلثوم جديدة

أو طه حسين جديد

أو لاعبا مثل الخطيب

أو غيرهم من القمم التي أنجبتها هذه الأرض الطيبة في شتى المجالات .

ذلك أن الجينات والصفات التى خلقها ويخلقها الله سبحانه وتعالى لم تتوقف عند زمن معين .

فمن خلق صوت أم كلثوم وموهبة عبدالوهاب ومهارة الخطيب فإنه قادر – سبحانه وتعالى – أن يخلق مثلهم بل وأفضل منهم .

لكن من المنطقي أن نصحح هذة المقولات لنقول أن هذة المواهب يمكن أن تظهر أمثالها من جديد لكن الصعوبة الحقيقية هي أن يعود الزمان والمناخ اللذان ظهروا وتألقوا فيه .

فهل إذا ظهرت أم كلثوم جديدة في زماننا هذا فهل تجد عبقريا مثل السنباطي لحنا ومبدعا مثل شوقي أو رامي شعرا ؟

وهل إذا وجد عبد الحليم جديد فهل سيجد كمال الطويل ملحنا يفهم صوته ومرسي جميل عزيز آخر يمده بأروع الكلمات ؟

وهل إذا أنجبت مصر طه حسينا آخر فهل سيجد قارئا واعيا مثقفا يستوعب مايكتبه ؟

المشكلة إذن ليست في ظهور مواهب جديدة ..

المشكلة في زمن ليس كالزمن الذي كانت فيه الأذن تتخير وتتذوق والعين تستمتع بما ترى والعقل يتدبر فيما يقرأ

زمن كان الرجال والنساء يرتدون أرقى ملابسهم ليستمعوا لأم كلثوم لا أن يقفوا يتراقصون طوال الوقت في ضجيج وصخب وفوضى !

زمن لم تكن فيه الإعلانات تطغى على الثقافة لتتحول المسلسلات فيه إلى مسلسلات الشيبسي والبيبسي !

زمن لم يشهد عشوائية فضائيات أفقدتنا التركيز وطغى فيها الغث على السمين !

زمن كان فيه تعليم حقيقى ولم يكن فيه مذيع أو مذيعة ينصبون الفاعل ويرفعون المفعول به !

زمن كان الطبيب فيه إنسانا وليس تاجرا إلا من رحم ربي !

ليست المشكلة إذن في مواهب جديدة هي بالفعل موجودة

لكن المشكلة في زمن هادئ وجميل ... تولى وإندثر .

الأربعاء، 10 مارس 2010

إنها حقا .. مأساة !!

لم تمت نتيجة حادث

ولا بسبب مرض خبيث

أو حتى حميد

ولا بسبب إنفلونزا الخنازير

أو الطيور

ولا نتيجة نزلة معوية

أو حتى نزلة برد

لكنها ماتت جوعا

ليس فقرا

وإنما إهمالا

إنها الطفلة الكورية التي تبلغ من العمر ثلاثة أشهر

رضيعة بريئة

تركاها والداها

لم يتركاها لسبب طارئ

أو هروبا من زلزال

وإنما بسبب الإنترنت

أو قولوا - إن شئتم - بسبب إدمان الإنترنت

تركاها إثنتا عشرة ساعة بدون رضاعة

تركاها وقد تعلق كل منهما بشاشة الإنترنت

طوال هذة الفترة

لم يتذكراها أو ينتبها لصياحها

والأخطر

لم ينتبها لتوقفها عن الصياح

ماتت الرضيعة المسكينة

لم يتحمل جسدها الرقيق الجفاف

ولا الجفاء

إنها مأساة بحق

مأساة التطور غير الرشيد

مأساة إدمان لم يعد للمخدرات فقط

إنها قصة حقيفية حدثت هذا الأسبوع في كوريا

اللهم إرحمنا .

الأحد، 7 مارس 2010

الأميرة .. وبنت الناظر !!

أصدر الديوان الإمبراطوري الياباني – قبل يومين – بيانا أعلن فيه أن الأميرة إبنة الإمبراطور البالغة من العمر ثمان سنوات قد توقفت عن الذهاب إلى المدرسة لمدة أسبوع نتيجة تعرضها لحالة نفسية بعد أن قام أحد زملائها من الصبية بتخويفها أثناء المرور بجوار مقعدها .

وإستطرد البيان أن الأمر موكول لناظر المدرسة لمعالجة الأمر.

وقد أصدر ناظر المدرسة بيانا أعلن فيه أنه بعد التحقيقات فإن الأمر لم يكن يتعدى المزاح البرئ الذي لا يستلزم أي عقاب .

سمعت هذا الخبر من محطة بي بي سي وأنا أقود السيارة .

بعد أن إنتهى الخبر سرح خيالي لو أن هذا حدث في بلادنا و أن هذة الطفلة ليست إبنة رئيس الوزراء ولا وزير التعليم ولا وكيل الوزارة ولا حتى مدير المنطقة التعليمية ..

تخيلوا معي أنها ليست إبنة أي من هؤلاء وأنها فقط إبنة ناظر المدرسة .

ألم يكن هذا الطالب قد تم ضربه ضربا مبرحا قبل أن يتم فصله وبهدلة ولي أمره ؟

إن النجاح والتقدم لا يمكن أن يكون وليد الصدفة

واليابان- التي خرجت من الحرب العالمية بعد تدمير مدنها بقنبلتين ذريتين – لم تضيع وقتا لتبكي على زمن مضى وإنما تحولت إلى واحدة من أقوى إقتصاديات العالم وأحد الثمانية الكبار وإحتلت جامعاتها مراكز عديدة بين أهم 500 جامعة في العالم .

هل كان ذلك صدفة ؟

لا وألف لا

إنها الديموقراطية

إنه الثواب والعقاب

إنه التعليم الجيد

فكان ثمرة ذلك شعبا متحضرا وإقتصادا قويا

إنها المساواة التي تخلق الإنتماء للأوطان وليست الشعارات ولا الأغاني

وألف سلامة لك أيتها الأميرة الصغيرة .

الجمعة، 5 مارس 2010

قلت له .. حرك يديك !!

هو صديق من أصدقاء العمر

بل أعتبره بمثابة الأخ الذي لم تلده أمي ..

كل من تعامل معه أحبه

هو مثال للرجولة والشهامة والإيثار

يعشق خدمة الناس .. ملتزم في عمله قدر إخلاصه في عطائه

هو بالفعل عملة نادرة في زماننا هذا ولا نزكي على الله أحدا .

رغم كل هذا لا أراه إلا مهموما

وفي أحيان كثيرة حزينا مكتئبا !

قلت له –وقد جاء لزيارتي – ما بك ؟

أجابني : لست أدري لكنني أشعر بإحباط شديد فلم يعد حولنا شيئا يسر القلب

قلت له : وماذا بعد ؟

تنهد قبل أن يجيب : زملائي في العمل .. وصلوا بنفاقهم وتسلقهم أما أنا فمحللك سر رغم إلتزامي وأقدميتي فأنا لست وصوليا مثلهم .

نظرت في عينيه لحظة ثم فاجأته :

حرك يديك

ماذا ؟!

قلت لك حرك يديك

لماذا ؟ قالها بضيق

إفعل أولا ثم ناقش

قام بتحريك يديه وهو يبتسم إبتسامة خجل طفولية لم تقلل كثيرا من علامات الإكتئاب على وجهه

قلت له : حرك قدميك

قال والضيق يعلو وجهه :

ما بك اليوم ؟ لقد أتيت شاكيا همي فوجدتك وقد ذهب عقللك !

لو سمحت – قلتها في حزم – حرك قدميك

حركهما في ضيق ولسان حاله يقول : أما نشوف آخرتها إيه

سادت لحظة من الصمت قبل أن أقول له :

إذن فأنت والحمد لله مازلت صحيح البدن قادرا على الحركة والعمل

قال: الحمد لله

ولديك أبناء وبنات ؟

الحمد لله .. لماذا تسأل وأنت تعرفهم ؟!

وزوجة صالحة ؟

الحمد لله

ولا تعاني من مرض عضال ؟

الحمد لله

ولديك بيت وسقف تستظل به ؟

الحمدلله

ولديك مالا يسترك ويزيد ؟

الحمد لله

ورغم كل ذلك فأنت حزين ومكتأب

..............

تخيل العكس

كيف

تخيل أنك فقير معدم لا تجد ما يسد رمقك ولا ما يستر جسدك ولا بيت ولا سقف تستظل به أو أنك مريض بمرض تنتظر معه النهاية

أو أنك لم ترزق بأبناء أو رزقت بهم لكن أحدهم معوق ..

تغيرت أسارير وجهه من الحزن إلى الإرتياح قبل أن يبتسم إبتسامة سعادة إفتقدتها في وجهه الصعيدي الطيب منذ زمن

ثم ضحك وقال :

تعرف .. إنت مالكش حل .. إنت ظلمك إللي عملك طبيب أطفال .. المفروض تبقى طبيب نفساني .

قلت : يا أخي المسألة مش محتاجة كلية طب خالص

الحل هو أن نستخدم الفرامل

أي فرامل .. سأل بشغف

قلت : أن تنظر إلى من هو أقل منك دون أن تقتل طموحك كما تنظر إلى ماهو أعلى منك دون أن يقتلك طموحك

وألا تنسى أبدا هذا الحديث الشريف :

"من بات آمنا في سربه

معافا في بدنه

عنده قوت يومه

فكأتما حيزت له الدنيا وما فيها "

صدق رسول الله

قلت له مبتسما :

والآن حرك يديك

قام من مقعده وهم بضربي على سبيل المزاح ثم ضحك من القلب فضحك قلبي من أجله .