لو تحدث الناس فقط فيما يعلمون .. لساد الصمت العالم "برنارشو"

الأحد، 6 يونيو 2010

ترابيزة السفرة ...

كانت طاولة الطعام أو "ترابيزة السفرة" في الماضي القريب بمثابة مدرسة بل جامعة منزلية تسير جنبا إلى جنب مع المدارس والجامعات خارج المنزل ...
كانت تجسد معاني الحب والألفة حين كانت تجتمع حولها الأسرة في ألفة ندر وجودها هذه الأيام ...
كانت تحمل معاني الحب والعرفان حين يثني الجميع على مذاق طبيخ ست الحبايب ...
كانت تحمل معاني الإحترام "وليس الخوف" حين ينتظر الأبناء جلوس أبويهم قبل أن يبدأوا تناول طعامهم ...
كانت مناسبة لزرع سلوكيات حميدة حين كانت الأم تسأل أبناءها هل غسلوا أياديهم قبل الطعام أم لا وحين يسأل الأب أبناءه وبناته إن كانوا قد قالوا بسم الله قبل الأكل أم لا ...
كانت تجسد معاني التعاون حين يقوم الأبناء بوضع أواني ألطعام على الطاولة ثم التعاون في رفعها بعد الطعام ...
كانت فرصة للتفاعل اليومي بين أفراد الأسرة بين تذكر موقف طريف أو مشكلة تعرض لها أحد أفراد الأسرة وتبادل الآراء حول حلها ...
كانت مناسبة يومية لأن يلاحظ الأبوان أية تغيرات صحية أو نفسية أو سلوكية على أى من أبنائهما وتدارك أية مشكلة قبل إستفحالها ...
كانت دعوة جميلة لصلة الرحم حين تجتمع الأسرة يوم العطلة الأسبوعية على ترابيزة السفرة مع الجد والجدة فيسعد الأجداد ويستمع الأحفاد إلى تجارب وقصص الأجداد ...

فقدنا ترابيزة السفرة وإفتقدناها :
حين سافر الأب أو إضطرته ظروف الحياة إلى عمل متواصل طوال اليوم في وطنه فأصبح الحاضر الغائب ...
وحين إنطحنت الأم بين العمل والمنزل ...
وحين غاب الأبناء والبنات حتى منتصف الليالي في غياهب جب الدروس الخصوصية ...
وحين غاب من تخرج من الأبناء في عمل متواصل في شركات متعددة الجنسيات أو في قطاع خاص يعطي الكثير ويأخذ أيضا الكثير

حل "الهوم ديليفري" والوجبات السريعة محل الشوربة الساخنة وطبق السلطة -التي كان كثير من الأباء يتفننون في صنعها - والأكل الساخن الصحي فإشتكت المعدة وتأوه القولون !
تفرقت الأسرة بين أب مسافر وراء لقمة عيش وأم تتحمل أعباء أبناء في الوطن
حلت الهواتف وإتصالات النت والشات محل الإبتسامة الدافئة وقبلة الصباح ...

لكن النت وثورة الإتصالات لم يعوضا أن يربت الأب على كتف إبنته إذا لاحظ أنها مهمومة وعلى كتف إبنه إذا كان مضطربا

كلمازادت أمراض المجتمع ... من قتل وسرقة وفساد ورشوة وتهريب وإحتكار وتحرش وإغتصاب وإنتحار...
كلما زادت عوامل الإنهيار...
كلما تذكرت "ترابيزة السفرة "
وتمنيت أن تعود من جديد ...
رمزا للإستقرار والمحبة والتربية بل وصمانا للأمان
إنها مجرد رمز لأشياء كثيرة ...
يفهمها من لا يقرأ فقط هذه السطور ... وإنما ما بين السطور

هناك 6 تعليقات:

كلمات من نور يقول...

كلامك صح والله يا فنجان شاي وترابيزة السفرة دي معناها واضح .....وفعلا لمتنا الحلوة اندثرت كعائلة واحده ما بالك العائلة الكبيرة ......ترابيزة السفرة بقى ليها فايدة واحده هي دروس الثانوية العامية والدروس الخصوصية .....بتلم عيال كتييير واخر السنة تلاقي الأب بيشد شعره علشان الأم بتطالب بكراسي سفرة جديدة علشان دروس السنة اللي بعدها ....تحياتي

خواطر شابة يقول...

معك حق ولو انها لم تندثر بصورة كلية لازال هناك العديدون يحاولون الحفاظ على هذه اللمة رغم كل المشاغل

الشاعر الفنان أحمد فتحى فؤاد يقول...

عندك حق فى كلمة قلتها و الله
المشكلة يا أخى إن الترابيزة اللى بتنكسر مش ممكن تتصلح تانى أبدا

ربنا يرحمنا برحمته ...
و الله المستعان

دمت بخير

رشيد أمديون يقول...

لا أدري لماذا شدني هذا الموضوع واحسست برقة في قلبي، ربما كما قلت قراة بين السطور خلقت نوعا من الحنين إلى تلك الأشياء الماضية التي كانت تحمل الكثير...

غير معرف يقول...

والله رجعت الحنين بداخلى الى الماضى الجميل

Omar Afdal Alnaggar يقول...

سلامو عليكم يا عمو عاطف،


أنا عمر النجار، إبن الدكتور أفضل. تقابلنا في القاهرة في إبريل الماضي..


يسلم قلمك على الخاطرة الرائعة.. أنا الآن في أمريكا بعيد عن والداي واخوتي.. لهذا اعادت إلي كلماتك الكثير من الذكريات واللحظات الجميلة من طفولتي، حتى دمعت عيناي..


جزاك الله خيراً، وجمعك بأولادك وزوجك قريباً على تربيزة السفرة..


عمر النجار