في مطار القاهرة رأيته قبل سنوات ..
كان يقف مع صديق له أو قريب – لست أدري – في
إنتظار أحد القادمين .
لم يتغير ..
نفس القامة الطويلة والقوام الممشوق
فقط تغير لون ما تبقى من شعره فتحول من الأسود إلى
الفضي ..
نظرت إليه فلم يعرني إنتباها
إقتربت أكثر وعلى وجهي إبتسامة قابلها بإبتسامة شك
تقدمت إليه :
الأستاذ السقا ؟
أيوه
ليس مطلوبا من حضرتك أن تتذكرني أما أنا فلم ولن
إنساك
تغيرت أسارير وجهه من إبتسامة الشك إلى نظرة الترقب
والإهتمام
قلت له :
أنا أحد تلا ميذك
نظر إلي نظرة فاحصة في محاولة لتذكر تلميذه الذي كبر ..
أهلا وسهلا يا إبني
إنفرجت أساريره قبل أن يشد على يدي
قال لصديقه وهو مازال ممسكا بيدي :
شايف ولادي كبروا إزاي ؟
وإنت فين يا إبني دلوقتي ؟
أنا طبيب أطفال .. وذكرت له مكان عملي
تحجرت الدموع في عينيه .. شد على يدي أكثر ثم قبلني
قال بعد أن ترك يدي :
ياسلام يا إبني أنا كنت محتاج قوي النهارده أشوف واحد
زيك
ثم خاطب صديقه :
أصلي اليومين دول مكتئب والدكتور .. معلش ياإبني
إسمك إيه ؟
عاطف
أيوه .. الدكتور عاطف دا ربنا بعتهولي .. خلاني أحس
إني عملت حاجة في حياتي .. أصل أنا يا إبني معنديش
أولادومراتي ربنا إفتكرها وعايش في فراغ فظيع وأنا
على المعاش
قلت :
إزاي يا أستاذ .. دا إنت ولادك كتير قوي وأنا واحد منهم
ربنا يجبر خاطرك ياإبني .. قالها وهو يقاوم دموعه
وصل قريبي الذي كنت أنتظره فقلت لأستاذي :
أنا سعيد إن شفت حضرتك يا أستاذ سقا
أجابني : وأنا سعيد إن لسه في الدنيا وفاء
إنها لحظات لم تكلفني شيئا
كان من الممكن أن أتجاهله في زحمة المطار لكنني لم أفعل
ربما لأنني حين رأيته خفق قلبي لأيام جميلة كانت فيها
المدارس لها سور وباب يغلق بعد أن يدق الجرس
ربما شعرت بالإمتنان لمدرس اللغة الإنجليزية رائع
المستوي عفيف السان
ربما لأنني تذكرت حين رأيته كيف كان للمدرس هيبه قبل
أن"يخصخصوه " في زمننا هذا
ربما لأنني إفتقدت أياما جميلة لم تتلوث فيها آذاننا
بغث الكلام ولا أعيننا بقبح المنظر
إنها لحظة وفاء لم تكلفني شيئا
لكنها كانت لحظة سعادة في حياة رجل مكتئب .